للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثال ذلك: أن يكتب إليك رجلٌ بليغٌ كتابًا يبلّغك فيه عن رجلٍ عربيّ عاميّ بأنه يقول لك كيت وكيت، فيذكر كلامًا بليغًا تعلم أن ذلك العامّي لا يُحسن مثله، فإنك تعلم أن مراد الكاتب أنَّ العامِّي قال ما يتحصل منه المعنى، ويكون علمك بحاله قرينة واضحة لا يحقّ لك معها أن تزعم أنّ ظاهرَ نسبة الكاتب قولَ تلك العبارة إلى ذلك العامي= أنَّ العاميّ قالها بحروفها وأنّ الكاتب لم ينصب قرينةً تدل على خلاف ذلك.

ولا ريب أن أحدًا لا يخرج على مثل هذا الكاتب ولا يتحجّر عليه ولا يعنِّفه في تعبيره بتلك العبارة البليغة، بل الأمر بالعكس وهو أن الكاتب لو حكى مقالةَ ذلك العاميّ بحروفها لعوتب على ذلك وقيل: هلَّا عبَّر عنها بعبارةٍ بليغةٍ من عنده؟

وكنتُ بعد أن ذكرتُ الضرب الأول توقفتُ في الثاني، فقال الأخ سعيد: فليكن حكاية بالمعنى كالترجمة فيما تقدَّم.

قلت: إنَّا مطالبون بالقرينة، فقال: القرينة أن العرب الذين تحدَّاهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقرآن لم يتشبّثوا بهذا، فلولا أنهم علموا أنه من قبيل الحكاية بالمعنى لاحتجُّوا بذلك بأن يقولوا: إن القرآن نفسه قد تضمَّن كلام بعضنا، وجعل ذلك بعضًا منه أي القرآن، فكيف مع هذا نكون عاجزين عن الإتيان بمثل بعض القرآن؟

قلت: لا أرى هذا يصلح قرينةً؛ لأن من الناس مَن كان يسمع القرآن وفيه الحكاية عن بعض العرب بما لم يعلمه قط فضلًا عن أن يعلم أنه قال ذلك القول بلفظه أو معناه. ثم قلت: بل القرينة هي أن المخاطبين الأولين ... إلى آخر ما تقدم.