ولا يقال: كان يجب لو كان منسوخًا أن يفارقها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عند ورود النسخ، لِما هو ظاهر من أنّ النسخ إنّما يتسلط على ما يتجدّد من الأعمال، لا على ما تقدّم قبله.
ثم إنّه لم يرد النسخ حتى بلغت عائشة رضي الله عنها. ومع هذا، فيحتمل أن يكون معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تنكح البكر حتى تستأذن» أي لا يبتّ نكاحها، فأمّا أن يقع العقد من الوليِّ ويكون البتُّ موقوفًا على رضاها = فلا، كما يقوله بعض الفقهاء في البكر البالغة، بل وفي الثيب، وعلى قياس ما يقولونه في بيع الفضولي.
فإن صحّ هذا الاحتمال فلا مانع من أن يكون عقدُ أبي بكر بعائشة من هذا القبيل، ثم حين بلغت تسع سنين، بلغت وأقرَّت العقد.
وعليه فلا مخالفة، ولا نسخ، ولا خصوصية.
لكن ظاهر قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ولا تنكح البكر» يأبى ما ذُكر. فتأمّل.
وعلى كل حال، فليس بيد الجمهور دليل على صحة زواج الصغيرة إلا الإجماع. ولم يثبت في المسألة إجماع إذا عرَّفنا الإجماع بما كان يعرِّفه به الشافعي وأحمد. بل غايته أنّه قول لم يُعرف له مخالف قبل ابن شبرمة.
والشافعي وأحمد لا يعتبران مثل هذا إجماعًا تردُّ به دلالة السنة. فمذهب ابن شبرمة قويٌّ، والله أعلم.