للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جملة على جملة. أراد - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يبين لهم أنه لم يمنعهم بخلًا، بل ليس عنده ما يحملهم عليه.

واللفظ يحتمل أن تكون الواو حالية، أي: لا أحملكم في حال أن ليس عندي ما أحملكم عليه.

فعلى الأول يكون حمله - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم ثانيًا نقضًا لليمين بخلاف الثاني. ولم يترجَّح عند أبي موسى وأصحابه أحدُ الوجهين، فكان عندهم محتملًا أنه أراد الأول ولكنه نسي فحملهم، وأن يكون أراد الثاني.

فرجوعهم هو للاحتمال الأول، وقولهم: «فحلفتَ أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا» بيان؛ لأن لفظه عندهم محتمل للثاني.

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لستُ أنا حملتكم، ولكن الله حملكم» إعلام لهم بأن حمله لهم ثانيًا خير، بيَّنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ليبني عليه ما بعده، وإرشاد أنه ينبغي أن ينسب الخير إلى الله تعالى، وإن كان العبد هو المباشر له كما ينبغي أن يقال: أنقذني الله على يديك، وأغاثني الله تعالى على يديك، ونحو ذلك كما جاء في: «ما شاء الله ثم شئت»، و «لا بلاغ لي إلا بالله ثم بك».

ولا وجه لما قد يُتوهَّم أن حَمْله لهم ثانيًا لا يُعدُّ نقضًا لليمين من حيث إنه إنما حلف أن لا يحملهم هو، ثم حملهم الله تعالى لا هو؛ فإنه توهّم باطل كما لا يخفى.

ثم بين - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم أنه وإن كان حلف أن لا يحملهم فليس حَمْله لهم محرّمًا عليه كما توهّموا؛ لأنه رأى أن حملهم خير من منعهم، كما بينه بقوله: «لستُ أنا حملتكم ولكن الله حملكم» كما مرّ، فرأى أن يحملهم ويكفّر عن