للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما زملائي فكانوا يعتمدون على ذكائهم ولا يسجلون شيئًا مما يتلقونه من الشيخ، وبعد أيام وعند تكراري لحفظ الأمثلة والإعرابات أصبحتُ متفوقًا على زملائي، فما كان الشيخ يأتي بأمثلة أو إعرابات إلا وأنا أسابق زملائي، ثم يقول الشيخ لزملائي: انتظروا حتى يفرغ ما عنده، ثم أتى لهم ولي بقصة فقال: إن حيوانًا يسمى بالسلحفة وهو يختفي داخل غلاف له فإذا أحس بشيء دخل في غلافه وهو مما يشبه العظم، فيوم من الأيام التفت السلحفة بالحجل (الظبية) وقالت: يا حجل أريد أن أتسابق أنا وأنت إلى الجبل الفلاني، فقال الحجل: ما أسخف عقلك يا سلحفة أتسابق أنا وأنت؟ ! فأنت تَحْبِي حبوًا وإذا حَسَّيتي (١) بشيء اختفيتِ، وأنا أسابق الريح! فكررت السلحفة قولها، وقالت: سابقيني، فتسابقتا. فأسرعت الحجل إلى بعض الطريق ثم توقفت، وقالت: سأنام هنا قليلًا ثم أذهب إلى الموضع المتسابق إليه فغلبها النوم فما انتبهت إلا وقد سبقت إليه السلحفة.

فقال الشيخ: هذا مثلكم ومثل هذا الطالب، ثم سأل الشيخ بعض الجلساء الذين جلسوا يستمعون من الشيخ حينما يلقي الدرس علينا: ما رأيكم في هذا الطالب؟ فقال أحدهم: قد أصبح سيبويه".

ومن الواضح تركيز الشيخ على تدريس فن النحو كما عرفناه من تراجم بعض الطلبة، والسبب في ذلك أنه إذا استقام علم النحو لطالب العلم مكّنه ذلك من العلوم الأخرى.

ومع هذا العمر المديد في التدريس لم نقف على عدد كبير من أسماء تلاميذه خاصة في المرحلتين الأوليين من حياته، وهما وقت مقامه عند


(١) كذا على اللهجة الدارجة، والوجه: "حَسَِسْتِ" أو "حسَِيتِ" بقلب السين الثانية ياءً.