والجمع الصوري أحرج من التوقيت. وهذا الرد محتمل ولكن ظهر لي ردٌّ أوضح منه وأبْيَن، وهو أن الصحابي أطلق الجمع، والمفهوم عند الإطلاق: الجمع الحقيقي. ولو أراد الجمع الصوري لقال: أخَّر الصلاة إلى آخر وقتها.
وأيضًا ــ وهو أظهر ــ أنه قال:«جمع ... من غير عذر ولا سفر» فظهر من فحواه أنه أراد الجمع الذي يكون للسفر، وهو الحقيقي. كما لو قال قائل: قصَّر فلان الصلاة، لاحتمل إرادة القصر المعروف في السفر ــ وهو أن يصلِّي الرباعية ثنتين ــ، وإرادةَ القصر المقابل للتطويل. فإذا قال: قصَّر فلانٌ الصلاةَ من غير سفر= تعيَّن الأول، وهو صلاة الرباعية اثنتين.
وقيل: إن هذا الحديث منسوخ بأحاديث التوقيت، وفيها النص على تحديد وقت الظهر ووقت العصر ووقت المغرب ووقت العشاء. وهذا جيِّد لو ثبت تأخُّر أحاديث التوقيت عن هذا الفعل، ولا يثبت.
ثم في هذا الحديث أن ابن عبَّاس حضره، وهو إنما حضر المدينة أخيرًا. وكذا أبو هريرة. والظاهر أن أحاديث التوقيت متقدِّمة. ثمَّ فِعل ابن عبَّاس له واحتجاجه بهذا الحديث وتصديق أبي هريرة له يُبعد النسخ.
فأقوى ما بيد الجمهور أن عمل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغالبَ التوقيتُ، وعمل الأئمة مستمرٌّ عليه. ولكن غايته أن يكون الجمع مكروهًا فقط. وفَعَله - صلى الله عليه وآله وسلم - لبيان الجواز، وتَرَكه الأئمةُ لكونه مكروهًا، فلا يلزم من هذا عدم الجواز. والله أعلم (١).