فإن قيل: هذا صحيح، ولكن ترك الواجب أظهر في خشية العذاب من ترك المندوب؛ فإنَّ ترك الواجب ارتكاب سيئة وترك حسنات كثيرة، بخلاف ترك المندوب فإنما فيه تركُ حسناتٍ دون حسناتِ [الواجب](١).
قلت: هذا يَرِد لو قلنا: إنه ينبغي أن تمتنع النفس من ترك المندوب من حيث هو مندوب كما تمتنع من ترك الواجب الأصلي. فأما ما أوجبه المرء بالنذر فلا، ونضرب لذلك مثلًا يتضح منه المراد.
فنقول: النفس أقرب إجابة إلى فعل صلاة الظهر منها إلى فعل أربع ركعات قبلها، ولها في هذا عذر؛ لأنه لو فُرِض أن لها قبل ذلك مائة حسنة، ومائة سيئة، فإن ترك الظهر يستلزم زيادة السيئات فيجب العذاب، بخلاف ترك سنة الظهر.
ولو فُرِض أن لها سبعمائة سيئة وعشر حسنات، فإنّ فِعْل الظهر يخلصها من العذاب؛ لأن أجر الفرض سبعمائة حسنة على ما قيل بخلاف فعل سنة الظهر فقط. ولكن نفس المؤمن لا تكون إلا خائفة أبدًا، فهي دائما تعتقد أن سيئاتها أكثر من حسناتها، فلا تكِلُّ ولا تملُّ من السعي في تكثير عدد الحسنات.
مثال آخر: إذا أردتَ أن تنذر عمل حسنة فإننا نفرض عند النذر أنَّ لك مائة حسنة ومائة سيئة، فأنت إذا عملت تلك الحسنة زادت حسناتك فتسلم من العذاب، وإن لم تفعلها بقي الحال على ما كان عليه. وإذا نذرت فعملتَها زادت حسناتك، وإن لم تفعلها زادت سيئاتك.
فينبغي لك أن تقول: يا نفسُ طاوعيني على عملها ابتداءً؛ فإن الثواب