للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ استعملوا حبَّ بمعنى أحبَّ؛ كأنهم أرادوا التفاؤل، ولهذا غلَّبوا استعمال هذه اللغة في اسم المفعول فقالوا للمعشوق: محبوب، مع أن المحبوب بمقتضى الاشتقاق هو العاشق، حتى إنهم لم يستعملوا اسم المفعول من أحبَّ إلا نادرًا. في قول عنترة (١):

ولقد نَزَلتِ فلا تَظُنّي غَيرَهُ ... منّي بمنزلة المُحَبِّ المُكرَم

وإنما استعمله عنترة هنا لأنه أنسب بغرضه؛ فإن غرضه أن يؤكِّد لها أنه يحبُّها. فلو قال: بمنزلة المحبوب لدلَّ على شدَّة توجِّهه إلى حبِّها له فأوهم أنه إنما يحبُّها لتحبَّه. وهذا منافٍ لغرضه، فإن غرضه أن يؤكد لها أنه يحبُّها على كلِّ حال.

وإنما لم يستعملوا حبَّ بمعنى عشق إلا نادرًا لأن العمدة فيه الدلالة على وقوع الفعل من الفاعل، فلم يقْوَ داعي التفاؤل كما قوِيَ في لفظ محبوب؛ لأن العمدة فيه الدلالة على المفعول. ولهذا لم يُسمع «حابٌّ» اسم فاعل لأن كون وقوع الفعل من الفاعل هو العمدة= أقوى فيه من الفعل.

فإن قلت: لعله لا يوجد في كلامهم حبَّ بمعناه الأصلي، وهو إصابة حَبَّة القلب، فما وجه ذلك؟

قلتُ: كأنهم استغنَوا عنه بـ «شغف»، فإنه بمعناه أو قريب منه. والله أعلم (٢).


(١) ضمن معلقته، انظر «شرح ابن الأنباري» (ص ٣٠١).
(٢) مجموع [٤٧١٦].