الثاني: ما لم يوضع للتوكيد، وإنّما وضع لمعنى آخر، وجاء زائدًا في كلام موافق لمعناه الموضوع له، مثل زيادة (إنْ) النافية بعد (ما) النافية، وزيادة (لا) النافية في معطوف على منفي، فإن الدليل يدلّ على زيادتها، أي أنها لم تدخل لتفيد معناها الأصلي وهو النفي المستقل، ولكن بين معناها الأصلي والمعنى الذي دخلت فيه مناسبة ــ وهو النفي ــ، فكان معقولاً أنها أكدت النفي. فهذا يصح أن يقال فيه: إنّه مزيد للتوكيد. ولكن ليس كل الزوائد هكذا، بل قد يجيء الزائد في كلام منافٍ لمعناه الأصلي، مثل قوله تعالى:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ}[الحديد: ٢٩]. فقوله:{لِئَلَّا يَعْلَمَ} المعنى على الإثبات، و (لا) نافية، فكيف يقال: إنها للتوكيد؟ !
وعليه، فلا بدّ من البحث عن فائدة أخرى غير التوكيد، فيقال في هذه الآية: لعلها زيدت إشارة إلى أنهم ليسوا أهلاً لأن يعلموا، أو إلى أنهم سيعاندون ولا يسلِّمون، فيكونون بمنزلة من لم يعلم، أو نحو ذلك.
فإن قلت: فما الفرق حينئذ بين الزائد وبين الحروف الموضوعة لمعاني تكميلية، كـ (لام) التوكيد ونُونَيه؟ فإن كلًّا من القسمين يصح أصل المعنى بدونه، ولا يتمّ المعنى بدونه.
قلت: الفرق أنّ تلك وضعت للتوكيد من أصلها، فإذا دخلت لتفيدَه، فكيف يقال: إنّها زائدة؟ !
وأمّا نحو (إنْ) و (لا) النافيتين، فإنّما وُضعتا للنفي المستقل، فإذا جاءتا