يعني أنّ الخطأ فيها ليس من البخاري ولا ممّن فوقه، وإنّما هو من كاتب تلك النسخة التي حكى عنها أبو زرعة. وثمَّ مواضع أكثر مما ذكره؛ الحمل فيها على الكاتب أوضح.
قد يُعترض هذا بما في أول هذا الكتاب عن أبي زرعة:"حَمَل إليَّ الفضل بن العباس المعروف الصائغ كتاب "التاريخ" ذَكَر أنّه كتبه من كتاب محمد بن إسماعيل البخاري فوجدت فيه ... "، والفضل بن العباس الصائغ حافظ كبير يبعد أن يخطئ في النقل ذاك الخطأ الكثير، وقد ذكر أنه كتب من كتاب البخاري، والظاهر أنه يريد به نسخة البخاري التي تحت يده، والأوجه التي تحمل التبعةَ على تلك النسخة توجب أحدَ أمرين:
الأول: أن يكون الفضل بن العباس حين نقل النسخة لمَّا يستحكم علمه، وقد تكون نسخة البخاري حين نقل منها لا تزال مسوَّدة، فنقل ولم يسمع ولا عَرَض ولا قابل.
الثاني: أن تكون كلمة "كتاب محمد بن إسماعيل" في عبارة أبي زرعة لا تعني نسخة البخاري التي تحت يده، وإنّما تعني مؤلفه الذي هو "التاريخ"، وتكون النسخة التي نقل منها الصائغ نسخةً لبعض الطلبة غير محررة، وإنّما نُقِلت عن نسخة أخرى مع جهل الكاتب، ولم يسمع ولا عَرَض ولا قابل.
الضرب الثاني: ما اختلفت فيه نُسخ "التاريخ" ففي بعضها كما حكاه أبو زرعة وخطأه، وفي بعضها كما ذكر أنّه الصواب، والأمر في هذا محتمل، وموافقة بعض النسخ للنسخة التي وقف عليها أبو زرعة لا تكفي لتصحيح النسبة إلى البخاري، ولاسيما ما يكثر فيه تصحيف النسَّاخ كاسم "سعر"، يتوارد النسَّاخ على كتابته "سعد".