سقتني بصهباء درياقةٍ ... متى ما تُليِّنْ عظامي تَلِنْ
صُهابيةٌ مُترعٌ دنُّها ... تُرجَّع في عودِ وعسٍ مُرِن
وفسره بقوله:"أي ترجَّع الخمر في هذا القدح، تعرف منه فيوالي عرفها ويُشرب وهو ترجيعه، وعسا لموالاة العَرف والحاجة، كما تواعس أنت الأرض فتلحّ عليها وتطؤها، عود يعني قدحًا، والمرن الذي يُرِنّ إذا شُرب أطرب صاحبه حتى يَرنّ أي يتغنى ويترنّم ... "، ونقلتُ في التعليق عن القدماء ما يوافق قول المؤلف: أنّ البيت الثاني في وصف الخمر، وأنّ كلمة "عود" أريد بها القدح، إلا أنّ بعضهم قال: الوعس هنا الرمل، ومعنى عود وعس عود رمل، وعني به قدح زجاج، فإنّ الزجاج يعمل من الرمل، فجاء بعض المتأخرين فتصحف عليه الشطر الأول، وحَدَس أنّ البيت في وصف مغنية، وأنّ المراد بالعود عود الطرب، وأنّ الوعس ضرب من الشجر، فتبعه أصحاب المعاجم من المتأخرين، فزعموا أنّ الوعس ضرب من الشجر تُعْمَل منه البرابط، وهذا كله حدس، ولا يثبت في اللغة أنّ الوعس شجر.
٨ - لم يسق ابن قتيبة الأشعار التي يريد تفسيرها مفرقة كيفما اتفق، بل رتّب وبوّب وهذّب، فقسّم الكتاب أولا إلى أجزاء بحسب موضوعاتها، كما تقدم، فالجزء الأول في الخيل.
ثمّ رتّبه على أبواب، بدأ أولا بأبيات أبي دواد:
لقد ذعرتُ بناتِ عـ ... ـمِّ المرشقاتِ لها بصابِصْ
بمجوَّفٍ بلقًا وأعـ ... ـلى لونه وردٌ مُصامِصْ
ككنانةٍ الزُّغَرى زَيَّـ ... ـنها من الذهب الدُّلامِصْ