ومن أبسط مجموعات كتب السنة في الأدب النبوي كتاب (الأدب المفرد) للإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، والإمام البخاري كالشمس في رابعة النهار شهرةً، وإلى مؤلفاته المنتهى في الجودة والصحة. وكتابه هذا ــ أعني الأدب المفرد ــ هو بعد كتابه "الجامع الصحيح" أولى كتبه بأن يَعتني به من يريد اتباع السنة، فإنّه جمع فأوعى، مع التحري والتوقّي والتنبيه على الدقائق.
ولكن الأمة ــ لسوء حظها ــ قصَّرت في حق هذا الكتاب، فنسخه المخطوطة عزيزة جدًّا، وقد طبع مرارًا ولكن قريبًا من العدم؛ لأنّها مشحونة بالأغلاط الكثيرة في الأسانيد والمتون، أغلاط لا يهتدي إلى صوابها إلا الرّاسخون.
وقد قيّض الله ــ وله الحمد ــ لخدمة هذا الكتاب صديقي العالم الفاضل السيد فضل الله بن السيد أحمد علي، فصرف في العناية به سنين عديدة.
أوّلاً: حقّق كلماته أسانيد ومتونًا حتى أقامها على الصواب مع صعوبة ذلك في كثير من المواضع.
ثانيًا: قام بوضع شرحٍ عليه يبين أحوال أسانيده، ويعرِّف بالمهم من أحوال رجاله، ويذكر من خرّجه، ثم يفيض في شرح المتن، واستنباط النكت والفوائد منه، ويشير إلى الأحاديث الواردة في معناه، وينبه على فوائد ذاك الأدب أو الخلق وحكمه وحكمته، مع الإلمام بما يوافق الحق من المشارب المتعددة كالفقهاء والصوفية والعصرية، باذلاً جهده في أن يجعل الحق أمامه غير متقيد بغيره ولا متحيِّز إلى سواه.