فإن قيل: قد قدَّمتَ أنَّ اللَّات والعُزَّى ومناة أسماء سمَّوا بها تلك الإناث ثم أطلقوا اسم اللَّات على التمثال أو التذكار الذي جعلوه باسم اللَّات وهكذا. وقد كان في أصنامهم ما يسمى باسمٍ مذكَّر، كهُبل ومناف وإساف، وهذه معروفة في أهل مكة، وأما بقية العرب فلهم أصنام كثيرة مسمَّاة بأسماء [٣٦٣] مذكَّرة.
قلت: لعلَّ تلك الأسماء ليست في الأصل أسماء للإناث الخياليات كاللَّات والعُزَّى ومناة، وإنما هي أسماء للأصنام أنفسها، فذكَّروا الاسم نظرًا لقولهم: صنم أو وثن أو تمثال أو حجر، وهذا لا ينافي أن يكونوا إنما يعبدونها على أنها تماثيل أو تذاكير للإناث الخياليَّات، ويجوز أن يكون الشيطان أوحى إليهم أنهم كما جعلوا تماثيل أو تذاكير للملائكة فالله عزَّ وجلَّ أولى بذلك، فجعلوا بعض تلك الأصنام رمزًا لله عز وجل ولم يطلقوا عليها اسم الله عز وجل تعظيمًا له أن يطلقوا اسمه على حجر.
ومما يؤيِّد هذا في هُبل خاصة أنه لم يبلغنا أنهم سمَّوا عبد هُبل كما سمَّوا عبد اللَّات وعبد العُزَّى، كأنهم استغنوا عن ذلك بتسميتهم عبد الله، والله أعلم.
ويؤيِّد ذلك أيضًا في هُبل أنه كان عندهم أعلى من غيره، ولهذا قال أبو سفيان يوم أحد:"اعلُ هبل"، فخصَّه بالذكر في ذلك المقام، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يجيبوه:"الله أعلى وأجلُّ". ويظهر أن هذا الجواب يتضمن إبطال هبل إذا كان وضع على أنه تمثال لله عز وجل، أي: إن الله عز وجل أعلى وأجل من أن يكون له تمثال من الحجر. وكأنه لهذا عدل أبو سفيان إلى قوله:"لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم". [٣٦٤] كأنه يقول: لنا شفيع ولا شفيع