للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}.

والظاهر من هذه الآيات أن فرعون وقومه كانوا لا يزالون على ما كان عليه سلفُهم من الاعتراف بربوبيَّة الله تعالى وإشراك الملائكة، وهذا هو الذي يَقرُب في القياس ومجاري العادات، ولكن قد قدَّمنا أن القوم بعد يوسف بالغوا في تعظيم الله تعالى في زعمهم إلى حدِّ أن قالوا: لا ينبغي للناس أن يجترئوا بعبادته عزَّ وجلَّ مباشرةً، ولا يذكروا اسمه، وإنما عليهم أن يعبدوا الملائكة فحسب، ثم الملائكة هم الذين يَصلُحون لعبادة الله عزَّ وجلَّ.

ولهذا ــ والله أعلم ــ كان أكثر ما جاء في محاورة موسى لهم ذكر الله تعالى بعنوان: (ربّ) , نحو: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ١٠٤، الزخرف: ٤٦] , {رَبَّكَ} [الأعراف: ١٥٠] (١) , {رَبِّكُمْ} [إبراهيم: ٦] (٢) , كأنه عليه السلام لم يُرِد أن يجاهرهم بالخلاف في هذه المسألة الجزئيَّة ــ وهي ذكر الله عزَّ وجلَّ باسمه العَلَم ــ، فكأنَّ فرعون بنى على زعم مَن قَبله؛ فقال: كما أنه ليس للناس أن يعبدوا الله عزَّ وجلَّ مباشرةً، كذلك لا ينبغي لعامَّة الناس أن يعبدوا الملائكة؛ لأن الملائكة أعظم من أن تعبدهم العامَّة، وإنما على العامَّة أن ينظروا مَن كان من الناس [٤٤٧] أقرب إلى الملائكة فيعبدوه، وهو يعبد الملائكة، والملائكة يعبدون الله عزَّ وجلَّ، ثم ادَّعى أن أقرب الناس إلى الملائكة هم الملوك، ولهذا قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: ٥١ - ٥٢].


(١) سورة البقرة: ٦١, وسورة الأعراف: ١٣٤.
(٢) وسورة طه: ٤٩, ٨٦, وسورة غافر: ٢٧.