للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء في حديثٍ آخر: «إن المرأة تقبل بصورة شيطانٍ» (١)، وفي حديثٍ: «إن الحمار إذا نهق فإنه رأى شيطانًا» (٢).

فعلى هذا المعنى تراءى عدو الله بشهابه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ علمًا منه أنه إذا تراءى بحيث يراه المصلِّي، وُكِلَ الدَّفْعُ إلى المصلِّي؛ لأنه يقدر على الدفع حينئذٍ، وارتفع المنع الذي توجبه السترة؛ لأنها إنما تكفي للمنع الذي لا يقدر عليه المصلِّي، تدبَّر.

[٤٧٦] وأما رؤية الإمام عبد الخالق القبر ليس فيه إلا الشياطين، فوجهه: أن المقبور لا يبقى له تعلُّقٌ بقبره إلا مادام الجسد لم يَبْلَ، فإذا بَلِيَ الجسدُ لم يبق للميِّت علاقة بالقبر؛ لأن الجسد قد بَلِيَ وفَنِيَ، والروح قد طارت إلى مستقرِّها، فليس القبر بعد البلى إلا كالنعش الذي وُضِعَ عليه الميِّت برهةً ثم فارقه، ولهذا نصَّ العلماء على أنه لا تبقى للقبر حرمةٌ بعد البِلَى، وعلى ذلك العملُ بالحرمين وغيرهما من عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم، إذا بليَ المقبور حُفِرَ القبرُ ودُفِن فيه غيره، وقد بسطنا الكلام على ذلك في رسالتنا عمارة القبور (٣).

فإن قلت: هذه الوجوه التي ذكرتها في تفسير عبادة الشياطين كلُّها إلزاماتٌ وبضربٍ من التأويل، ولاسيَّما الثاني والثالث، للقطع بأن المشركين


(١) أخرجه مسلمٌ في كتاب النكاح، باب ندب مَن رأى امرأةً فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته، ٤/ ١٢٩، ح ١٤٠٣، من حديث جابرٍ رضي الله عنه.
(٢) أخرجه البخاريُّ في كتاب بدء الخلق، بابٌ خير مال المسلم غنمٌ ... ، ٤/ ١٢٨، ح ٣٣٠٣. ومسلمٌ في كتاب الذكر والدعاء ... ، باب استحباب الدعاء عند صياح الديك، ٨/ ٨٥، ح ٢٧٢٩، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) لم أجده في القدر المطبوع من عمارة القبور.