للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسماع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ بدلالة الروايات الأُخَر، وإنما قال ذلك على ما جرت به عادة المحبِّ المشتاق أن يدعو باسم محبوبه إظهارًا لشدَّة شوقه إليه ومحبَّته له حتى كأنه حاضر لديه، وهذا مجازٌ كما لا يخفى، والله أعلم.

وأما أثر: «يا سارية الجبل» [٥٤٠] فالجواب عنه ما جاء في القصَّة نفسها، فإنَّ فيها: «فقيل لعمر: ما ذاك الكلام؟ فقال: والله ما ألقيت له بالًا، شيءٌ أتى على لساني» (١).

فبين أنه لم يقصد ذلك الكلام أصلًا، ومع ذلك فإنه أمرٌ لا سؤالٌ يصحبه الخضوع والتذلُّل.

ومع ذلك ففي ثبوت هذه القصَّة مقالٌ, وأقوى طرقها رواية حرملة، عن ابن وهبٍ، عن يحيى بن أيُّوب، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، وفيها: «ثم قدم رسولُ الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هُزِمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتًا ينادي: «يا سارية الجبل» ثلاثًا، فأسندنا ظهرنا إلى الجبل، فهزمهم الله تعالى، قال: قيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك» (٢).

وقوله: «قيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك» يوافق ما جاء في الرواية السابقة أنه شيءٌ جرى على لسانه بغير اختياره، والله أعلم.

ومع ذلك فحرملة ويحيى بن أيُّوب ومحمَّد بن عجلان في كلٍّ منهم مقالٌ.


(١) الخصائص الكبرى ٢/ ٢٨٥. [المؤلف]
(٢) الإصابة ٢/ ٣. [المؤلف]