ومن الحِكَمِ في التنبيه على أنَّ ما جرى على يد عيسى عليه السلام من الخوارق إنما كان يقع بإذن الله تعالى, أي لا كعمل البشر الأحياء لما يقدرون عليه عادة: قَطْعُ شبهة مَنْ يُشْرِكه.
وكذلك التنبيه على مثل ذلك في السحرة؛ لأنَّ توهُّمَ أنهم يعملون باختيارهم كما يعمل الناس ما يقدرون عليه عادةً يُخْشَى أن يكون ذلك داعيًا إلى الشرك.
وهكذا في شأن الجن؛ فإنَّ تَوَهُّم أنهم يتصرَّفون في الإنس وفيما يحسُّ به الإنس تَصَرُّفَ اختيارٍ كتصرف البشر فيما يقدرون عليه عادةً يدعو إلى دعاء الجنِّ وإشراكهم.
وقد اتَّضح بحمد الله وتوفيقه الفرق بين سؤال الإنسان من إنسان آخر ما يقدر عليه عادة وبين سؤاله مَنْ يظن به الصلاح ما لا يقدر عليه عادة وإنما يقع بإذن الله تعالى، وهكذا سؤاله من السحرة، وعمله مثل عملهم، وسؤاله من الجن.
فاندفعت شبهُة القائلين: كيف يكون سؤالُنا الأحياءَ ما يقدرون عليه عادة غير شرك ويكون السؤال من الجن ونحوه شركًا؟
ولا يخفى أن أرواح الموتى إن كان لها تصرف [٥٦٢] فهو مما لا يقع إلا بالإذن الخاصِّ سواء أكانت صالحة وكان تصرُّفها كرامة كالصالحين الأحياء, أم كانت طالحة وكان تصرُّفها إهانة كالشياطين.
ولولا خشية الإطالة لَسُقْتُ الآيات التي جاء فيها ذكر إذن الله تعالى