للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعدُ، فالظاهر من الحكايات عن آدم وحواء أنهما لم يعرفا أن الحارث اسم إبليس كما تصرِّح به حكاية السُّدِّي، ويظهر أنهما توهَّما أنَّ الحارث من أسماء الله عزَّ وجلَّ، ولا مانع من ذلك، فقد قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٣ - ٦٤].

وقد يُتَوهَّم في التسمية به سببٌ لعيش الولد، فإنَّ الولد كالزرع، ففي تسميته بعبد الحارث على فرض أنَّ الحارث من أسماء الله عزَّ وجلَّ اعتراف بأنه هو الذي خلقه ويحييه.

وقد يُعَكِّرُ على هذا قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١].

والجواب: أن أسماء الله تعالى لم تدخل في ذلك كما يدلُّ عليه السياق، حيث قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ / أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ... قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ... } [البقرة: ٣١ - ٣٣].

فقوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} وقوله: {بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} صريح في أن المراد أسماء أشخاص حاضرين مشاهَدين أشار إليهم ربهم، وليس هو فيهم.

ومما يدل على ذلك ما ثبت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من قوله في دعائه: «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» (١).


(١) أخرجه أحمد في مسنده ١/ ٣٩١، وأبو يعلى في مسنده ٩/ ١٩٨، ح ٥٢٩٧، والطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ١٦٩ ح ١٠٣٥١، وابن حبان في صحيحه (الإحسان)، كتاب الرقائق، باب الأدعية، ذكر الأمر لمن أصابه حزن أن يسأل الله ذهابه عنه ... ، ٣/ ٢٥٣ ح ٩٧٢ والحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء، دعاء يُذهب الهمَّ والحزن، ١/ ٥٠٩، من طريق أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه، عن ابن مسعود، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه؛ فإنه مختلف في سماعه عن أبيه، وتعقبه الذهبي بقوله: «وأبو سلمة لا يُدرى مَن هو، ولا رواية له في الكتب الستة».