فإن قلت: فعلى هذا قد يكون العمل عبادة لله عزَّ وجلَّ بدليل ظني كخبر واحد، ولو لم يأت ذلك الدليل الظني لكان ذلك العمل شركًا.
قلت: ألا تعلم أنه لو ورد خبر صحيح بأن مَنْ كَلَّمَ إمامه في الصلاة لا تبطل صلاته لَعَمِلَ به العلماء، وإذ لم يَرِدْ فلو أن رجلًا يصلي ويكلِّم إمامه زاعمًا أن الصلاة لا تبطل بذلك مع اعترافه بأنه لا دليل له عليه لحكمنا ببطلان صلاته قطعًا، فإن زعم أنه لا تجب عليه الصلاة إلا كذلك حكمنا بكفره. ومِثْل ذلك لو ورد خبر واحد أن شرب ماء زمزم لا يفطر, أو أن مَنْ لم يدرك الوقوف بعرفة يوم عرفة يُجزيه الوقوف يوم النحر, لقبلناهما، وإذ لم يرد ذلك فلو أن رجلًا يشرب في نهار رمضان من ماء زمزم عمدًا زاعمًا أنه لا يفطر وأنه لا يجب عليه صيامٌ غير ذلك لكفَّرناه, وكذا لو وقف يوم النحر [٦٠٨] عالمًا بأنه يوم النحر وزعم أنه لا يجب عليه حج غير ذلك. وأمثال هذا كثير، نعم قد يكون لبعض الناس عذر يمنع من تكفيره على ما يأتي بيانه في الأعذار إن شاء الله تعالى.
فإن قلت: إنما يقع التكفير في هذه الأمثلة للإجماع على أن خطاب الإمام في الصلاة يبطلها كغيره، وأن الشرب من ماء زمزم ذاكرًا للصوم يبطل الصوم كغيره، وأن الوقوف يوم النحر مع العلم بأنه يوم النحر لا يُجزي مَنْ جاء متأخرًا. فعبادات هؤلاء باطلة إجماعًا، فلمَّا زعموا أنه لا يجب عليهم غيرها كان معنى قولهم أنه لا تجب عليهم صلاة صحيحة، وهذا تكذيب للرسول قطعًا.
قلت: وهكذا يقال فيمن عمد إلى حجر في جدَّة مثلًا فزعم أنه مستحق أن يُعَظَّمَ تعظيم الحجر الأسود، ألا ترى أنه خالف الإجماع في ذلك، ومع