فإن قلت: فبهذا يتبين أن المدار على عدم الدليل لا على مخالفة الإجماع.
قلت: ولكن قد خالف هذا القائل الإجماع من جهة تديُّنه بما لا دليل له عليه، وهذا باطل إجماعًا.
فإن قلت: فإن كان القائل الأول صحابيًّا واحتجّ هذا المتأخر بقوله بناء على أنه يرى قول الصحابي حجة, أو كان المتأخر عامِّيًّا وقلَّد القائل الأول؟
قلت: الظاهر أن المتأخر يعذر إلا أن تكون قد قامت عليه الحجة القاطعة بأن قول الأول خطأ محض، كما في قول ابن مسعود رضي الله عنه بأن المعوذتين ليستا من القرآن (١). وهكذا الحال في كل من أظهر الاستناد إلى دليل قد قامت الحجة القاطعة على بطلانه.
فإن قلت: فلو قال متأخر قولًا وسألناه الدليل عليه فاعترف بأنه لا دليل له, أو ذكر دليلًا باطلًا إجماعًا, ولكننا نعلم دليلًا يصح أن يتمسك به لقوله لم يقف عليه أو لم يتنبه له؟
قلت: أما الذي تقتضيه [٦١٠] الأدلة فهو الجزم بأن هذا الرجل لا يعذر؛ لأنه قد ارتكب القول في الدين بلا دليل، وخالف بذلك الإجماع، وكان من معنى قوله الكذب على الله وتكذيب رسوله. ولكني أرى أن الواجب علينا أن نبين له ما في قوله من الخطر، ونرشده إلى ذلك الدليل، ونقول له: إذا أصررت على قولك فعليك أن تستند إلى هذا الدليل، فإن أصرّ على أن له القول في الدين بغير دليل انقطع عذره.