ومنها: أن يميل إلى ما وقع في ذهنه أوَّلًا، فيصعب على نفسه أن تعترف أنها أخطأت أوَّلًا، ولا سيما إذا كان قد أظهر قوله الأول.
وإذا تمكَّن الهوى عميت البصيرة, فَتُعْرَضُ على صاحبه الحجة النيرة فيرى أنها شبهة فقط، حتى إنه كثيرًا ما يقول: إنها شبهة لا أقدر على حَلِّها، وتُعْرَضُ عليه الشبهة الضعيفة [٦٣٥] الموافقة لهواه فيرى أنها برهان قاطع.
ومسالك الهوى قد تكون خفيَّة جدًّا فيتوهَّم الإنسان أنه لا سلطان للهوى عليه وأنه ممن يجاهد في الله طلبًا للحق أَنَّى كان، مع أنه في الحقيقة على خلاف ذلك، ولولا هذا لما كنت تجد الناس لا يخرجون عن مذاهب آبائهم إِلَّا نادرًا.
ولهذا لم يقتصر القرآن على دعوة الناس إلى البحث والنظر فقط، بل أرشدهم مع ذلك إلى أنهم إن لم يتيقنوا أنَّ ما يدعوهم الله (١) هو الحق فلا يمنعهم ذلك عن اتِّباعه؛ فإنه أحوط لهم، قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
(١) كذا في الأصل، ولعل الرابط المجرور (إليه) سقط سهوًا.