للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسجد إلى جهة يظنها القبلة وكان أمامه صَنَمٌ يَظْهَرُ لمن يَرَى أنَّ السجدة للصنم. ويظهر لي عذرُ مَنْ رأى تمثالًا يشبه صورةَ وَلَدٍ له غائب فاعتنق التمثال وَقَبَّلَهُ بداعي الشوق إلى ولده فقط، فإن كان يعلم أن ذلك التمثال صنم يُعبد ففي قَبُول عذره نظر. وهكذا مَن كان قريب عهد بالإسلام أو عاش ببادية بعيدًا عن العلماء إذا سجد أمام صنم مثلًا على سبيل الهزل والاستهزاء كما مَرَّ نظيرُه في الكذب بالقول.

وممن يُعْذَرُ ممن كذب على الله تعالى باعتقاده: المجتهدُ في الفروع إذا اجتهد فظهر له ما ظنَّه سلطانًا على حُكْمٍ فاعتقده، وكذا مَن قلَّده بشرطه المتقدِّم فيما مرَّ في الكلام على البدع (١).

وكذلك يُعْذَرُ مَن كان قريب عهد بالإسلام إذا توهَّم جواز شيءٍ مخالفٍ لشهادة أن لا إله إلا الله مخالفةً غير صريحة، كما مَرَّ في قول بني إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨]، وقال بعض المسلمين للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: اجعل لنا ذات أنواط, وقد تقدَّم (٢) حديث: «اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل».

وليس من الشرك الذي عُذِرَ صاحِبُهُ استئذانُ قيس بن سعد النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم [٦٤٢] في السجود له، وقد تقدَّم الحديث (٣)؛ لأنه رأى


(١) ص ٨٨٣ - ٨٨٨.
(٢) انظر ص ١٤٣ فما بعدها.
(٣) لم أقف عليه فيما سبق، وإنما وقفت عليه في كتابه «تحقيق الكلام في المسائل الثلاث» في مبحث التبرك ص ٢٣٨، ونص الحديث «عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة ... فرأيتهم يسجدون لمَرْزُبان لهم فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له. قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني أتيت الحِيرة فرأيتهم يسجدون لمَرْزُبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك! قال: «أرأيت لو مررتَ بقبري أكنتَ تسجد له». قال: قلت لا. قال: «فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرتُ النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق». رواه أبو داود في سننه، كتاب النكاح باب في حق الزوج على المرأة ٢/ ٢٤٤ ح ٢١٤٠.