للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: ١٦]. فقوله: {مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} مفهومه أنَّ الحال قبل الاستجابة كان بخلاف ذلك، ووجهه فيما يظهر أن مَن كان بعيدًا عن الحجاز فبلغه أنَّ رجلًا بمكة [٦٤٣] يزعم أن الله أرسله، والناس كلهم حتى أقاربه مطبقون على تكذيبه ويقولون: هو مجنون ومسحور ونحو ذلك، فإنَّ هذا البعيد قد يغلبه تصديق الجمهور مع ما عنده من الشبهة، فربما يُعذر بذلك. فأما بعد ما استجيب للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فآمن به جماعة واتبعوه وفارقوا دين آبائهم وعَادَوْا أهليهم وأحبائهم وعرَّضوا أنفسهم وأموالهم للتلف فلم يبق عذر لهذا البعيد، وإن كان له شبهة، بل تَعَيَّن عليه أن يأتي النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ويسمع كلامه ويتدبَّر ما يقوله بنية خالصة صادقة؛ فإنه إن فعل ذلك تبين له الحق بمقتضى قول الله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] على ما تقدَّم.

نعم، مَن لم يبلغه الاستجابة فربما يُعْذَرُ، وعليه يُحْمَلُ قول الغزالي في فيصل التفرقة (١): «وصنف بلغهم اسم محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ولم يبلغهم مبعثه (٢) ولا صفته، بل سمعوا أن كذَّابًا يقال له فلان، ادّعى النبوة، فهؤلاء عندي من الصنف الأول» ــ أي من الذين لم يسمعوا اسمه أصلًا ــ فإنهم لم يسمعوا ما يحرِّك داعية النظر.


(١) ص ٨٤. نشرة محمود بيجو.
(٢) في مطبوعة فيصل التفرقة: نعته. وهو الصواب.