للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متعبدون بالكتاب والسنة كتعبد من جاء بعدهم على حدٍّ سواء، فإن كان التعبد بالكتاب والسنة مختصًا بمن كانوا في العصور السابقة، ولم يبقَ لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدَّمهم، ولا يتمكنون من معرفة أحكام الله من كتاب الله وسنة رسوله، فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة والمقالة الزائفة؟ وهل النسخُ إلا هذا؟ ! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم. انتهى (١).

وقد نقلتُ هذا الكلام بطوله لما فيه من التحقيق النيِّر.

وبعد، فلا يخفاك أن الحنابلة مُطبِقون على عدم خُلوِّ الأرض من مجتهد، وأكثر أصحابنا الشافعية معهم، وثَمَّ على وجه الأرض طوائفُ من المسلمين لم يزالوا ولا يزالون يقولون بدوام الاجتهاد، كالهادوية في اليمن وغيرهم، فما معنى حكاية الرافعي الاتفاق؟ مع أن عبارته غير جازمة بذلك، ولفظها كما في "ارشاد الفحول" (٢): "الخلقُ كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم".

وذكر الشوكاني عقبهَا ما لفظه (٣): قال الزركشي: ولعله أخذه من كلام الإمام الرازي، أو من قول الغزالي في "الوسيط": "قد خلا العصر عن المجتهد المستقل". قال الزركشي: ونقلُ الاتفاق عجيب، والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة، وساعدهم بعضُ أئمتنا. اهـ.

ومن تأمَّل ما شرطَه العلماء في المجتهد علم بطلان القول بخلوّ الزمان


(١) أي كلام الشوكاني في "إرشاد الفحول" الذي بدأ باقتباسه قبل أربع صفحات.
(٢) (٢/ ١٠٣٦).
(٣) المصدر نفسه (٢/ ١٠٣٧). وانظر "البحر المحيط" (٦/ ٢٠٧).