للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دليلٌ خاصٌّ، كما يُستدَلُّ للقياس بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]. [ص ١٧٨] فالأصول المبنية على الشرع لها أدلة خاصة تدلُّ على نفس الأصل، بخلاف الضوابط التي وضعها أئمة اللغة، فليس لها أدلة كذلك، وإنما كان أمامَهم كلمات العرب المنتشرة، فلم يتم لهم وضعُ تلك الضوابط إلّا باستقرائها.

ولو فُرِض أن بعض الأصول تحتاج إلى استقراء الأدلة الشرعية، فالأدلة الشرعية في هذه العصور باقية مجموعة متيسِّرٌ الاطلاعُ عليها أكثر مما كان متيسِّرًا للأئمة السابقين، فاستقراء العالمِ لها اليومَ أتمُّ من استقرائهم، بخلاف الأصول اللغوية.

وأما كون المجتهد اليوم إذا اجتهد في بناء العام على الخاص فلابدّ أن يوافقَ أحدَ الإمامين، فهكذا الإمامانِ لكلٍّ منهما سلفٌ من الصحابة رضي الله عنهم، وإلّا لكان أحدهما خارقًا للإجماع. فلو قصرنا لفظ "المجتهد المستقل" على مَن لم يُسبَقْ إلى اعتبار ذلك الأصل لم يكن إلّا من الصحابة، بل والصحابة أيضًا لابدَّ أن يكون لها سلفٌ من الكتاب والسنة، فلكلٍّ من المختلفين دليلٌ، وإن كان الحقُّ في نفس الأمر واحدًا، إلَّا أنَّ كلًّا منهما يرى الموافق للكتاب والسنة هو ما رآه.

نعم، الأئمة السابقون انفردوا بجمع تلك الأصول في تآليفَ، وبيَّنوها وبيَّنوا دلائلَها من العقل واللغة والشرع، ووضعوا لكلِّ أصلٍ عبارةً تدلُّ عليه، فكانوا ينظرون في أدلة العقل والشرع واللغة أولًا، ثم يذكرون الأصلَ ويختارون له عبارةً تدلُّ عليه. والمجتهدون المتأخرون ينظرون في تلك الكتب أولًا، ثم ينظرون في أدلة العقل والشرع واللغة.