للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طبقة بعد طبقة، مع الإعراض عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله، فاختلط ــ ولاسيّما في كتب المتأخرين ــ كلامُ الإمام بكلام أصحابه فيما استنبطوه من كلامه بكلام مَن تبعَهم واستنبط من كلامهم، إلى آخر السلسلة.

فكم من مسألةٍ ورد فيها حكمٌ عن الإمام، وصحَّ الدليلُ بخلافها، وعمل به غيرُه من الأئمة، فأعرض أصحابه عن الدليل وعملوا بكلامه، مع أنه كان لهم العملُ بالدليل وعدُّه من مذهب الإمام، لِمَا تواتَر عن الأئمة من قولِ كلٍّ منهم: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي" أو معناه. فإن لم تطمئن نفوسهم إلى هذا فكان لهم أن يُقلِّدوا في ذلك الحكم غيرَه من الأئمة المتفق عليهم.

وكم من مسألةٍ لم يَرِدْ فيها عن الإمام نصٌّ، وحكمها في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله واضح، وعمل به غيرُه من الأئمة (١) = لم يلتفت الأتباع إلى الدليل الشرعي بل استنبطوا حكمًا من كلام الإمام، ولم يعبأوا بموافقة (٢) الدليل الشرعي ومن عَمِل به أو مخالفته.

وكم من مسألةٍ لم يَرِد فيها عن الإمام ولا عن أصحابه شيء، ودليلُها في كتاب الله أو سنة رسوله، وأخذ به غيرُه من الأئمة، فجاء متأخرو أتباعه فأعرضوا عن الدليل الشرعي ومَن عمل به، ونظروا في كلام مَن تقدَّمَهم مِن أتباع ذلك المذهب، فاستنبطوا منه حكمًا ما، غير ملتفتين إلى موافقة الدليل الشرعي أو مخالفته.


(١) قوله: "وعمل به غيره من الأئمة" ألحقه الشيخ بين الأسطر، فوضعناه في مكانه المناسب.
(٢) في الأصل: "بمخالفة ... أو مخالفته" سبق قلم.