فليس لهم أن يخففوا ما شدَّد الله، وإن لم يكن التشديد فيها هو حكم الله فمن أين فهموا ذلك؟
فإن قالوا: مِن مذهب الشافعي.
قيل لهم: كلَّا، فإنه ليس معكم إلّا إقراره لأهل بغداد، وهذا لا يتمسك به عاقل.
وإن قلتم: مِن قواعده "أن المشقة تَجلِبُ التيسير".
قيل لكم: هذه قاعدة أغلبية، وقد نصَّ في هذا الفرع على خلافها، فكان مخصّصًا لها، ومذهبُه رحمه الله بناءُ العامّ على الخاص. ومع ذلك فالمشقة هنا لم تتحقق، إذ يُمكِن أهلَ البلد الواحد أن يُصلُّوا في الشوارع التي عند الجامع، أو يوسِّعوا جامعَهم، أو يبنوا أوسعَ منه. ويمكنكم أن تقولوا بأن من لم يدرك وُسْعًا في الجامع وحوالَيْه تسقط عنه الجمعة ويجب عليه الظهر، ونحو ذلك.
وإن قلتم: فهمنا ذلك من كتاب الله تعالى وسنة رسوله.
قيل: فما هو؟ سلَّمنا وجودَه، لكن أنتم مقلِّدون لا تُسوِّغون لنفوسكم الخروجَ عن المذهب.
فإن قالوا: إن الإمام رحمه الله قال: "إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي". وفي معنى صحة الحديث صحةُ دليلٍ آخر.
قيل: فهلَّا طردتُم هذا في جميع المسائل؟ فعملتم بقول الإمام فيما وافقَ الكتابَ والسنة، وعدلتم عما لم يوافق إلى عموم قوله:"إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، فتكونوا أسعدَ خلقِ الله بمذهبه، ومِن أسعدِ خَلْقِ الله باتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله.