ورد عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم، منهم الصدِّيق رضي الله عنه وغيره، كانوا إذا جرت واقعةٌ وأعوزَهم الدليلُ من كتاب الله تعالى أو سنةِ رسوله اجتهدوا برأيهم، ثم يقول المجتهد: إن كان صوابًا فمِن الله، وإن كان خطأ فمنِّي ومن الشيطان (١)، أو نحو ذلك.
الثاني: قولكم: "إنه لم يكن منهم مَن يلتزم اتباعَ إمامٍ معين". وهذا قد يُنازَعُ فيه، فقد كان لابن عباس أتباعٌ مخصوصون، ولابن مسعودٍ كذلك، وكذا مَن بعدهم. وأما الأئمة الأربعة فاتِّباعُ تلامذتهم لهم لا يخفى على أحد.
الثالث: حكاية إجماع الأصوليين على منع تقليد الميت، لا يخفى ما فيها، فإن تلامذة الأئمة الأربعة لم يزالوا عاملين بمذاهبهم بعد موتهم، وهكذا مَن بعدهم، وهلُمَّ جرًّا.
* قال المانعون: أما الأول فإننا إنما أطلقنا القول لأن الحكم لا يؤخذ إلّا عن دليل من الكتاب والسنة ولو بواسطة القياس، فإن فُرض أن مجتهدًا لزِمَه النظرُ في واقعة، وتعيَّن عليه فورًا، فإنه يسوغ له أن يجتهد رأيَه بما هو الأولى والأشبه بالشرع، ويلزمه حينئذٍ أن يخبر بأن ذلك اجتهاد منه، كما قال الصدِّيق وغيره، وحينئذٍ فيجوز العمل بذلك الاجتهاد للضرورة. فإن ظهر دليلٌ وجب
(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف" (١٩١٩١) وابن أبي شيبة في "المصنَّف" (١١/ ٤١٥، ٤١٦) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٢٣) عن أبي بكر، وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (٩/ ٢١٤) والبيهقي (١٠/ ١١٦) عن عمر، وأخرجه أحمد في "المسند" (١/ ٤٣١، ٤/ ٢٧٩) وأبو داود (٢١١٦) والنسائي (٦/ ١٢٢) عن ابن مسعود. وانظر "التلخيص الحبير" (٤/ ١٩٥).