إذا كان صريحُ كلامه أو مفهومه يخالف ظاهرَ آيةٍ أو حديثٍ، فالظاهر أنه إنما ذهب إلى خلاف ذلك لدليلٍ أقوى منه ثبتَ لديه، ولا يلزم من عدم اطلاعنا على دليله عدمُه، لما لا يخفى أن عدم العلم ليس علمًا بالعدم.
وهذا في الحقيقة غلوٌّ مذموم وجهلٌ فاحش، لأن الأصل عدم اطلاعه على هذا الدليل، والأصل أنه لا دليل يخالفه. وكم من حديث لم يعمل به الأئمة لعدم صحته لديهم، وقد صحَّ بعدهم، وسيأتي إن شاء الله.
[ص ٣٤] ومن جنس ما ذكرناه دليل بقاء وقت المغرب إلى غروب الشفق، فإن الشافعي رحمه الله نصَّ على أنه لم يصحَّ لديه، وأنه إن صحَّ وجبَ العمل به. وقد صحَّ بعده ذلك الدليل، بل هو في أعلى درجات الصحة، وصار إليه أصحابه، إما عملًا بالدليل الثابت، وإما ــ وهو الظاهر ــ عملًا بوصيته. وعلى كلٍّ فكان ينبغي لهم أن يُوسِّعوا الدائرة، فيعملوا بكل ما ثبت من الأدلة عملًا بوصية الإمام أنه إذا صحَّ الحديث فهو مذهبه، وأن يعملوا بما صحَّ عنه من نهيه عن تقليده وتقليد غيره، ويقتدوا بسيرته في الإفتاء والتدريس ببيان الحجج.
ومن المعلوم أن السُّنَّة كانت في عهد الأئمة مفرَّقةً بتفرق التابعين في مشارق الأرض ومغاربها، وإنما تتبعها مَن بعدهم ودوَّنها، وذلك من فضل الله تعالى على هذه الأمة.
وأيضًا كيف يسوغ لرجلٍ يؤمن بالله واليوم الآخر تركُ العمل بآية من كتاب الله تعالى أو حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لمجرد احتمالِ أنه ثبتَ عند إمامِه ما يخالفه؟ مع أن الأئمة نصُّوا على أنه إذا صحَّ الحديث بخلاف قولهم وجبَ أن يُرمى بقولهم عرضَ الحائط، وأنهم