فإن قال المتعامي عن البرهان المتقدم: لكن في هذا تبعيض التقليد [ص ٢٦] والتعرض للتلفيق. وقد أخبرني بعض العلماء بمنع ذلك ووجوبِ الالتزام لمذهب إمام معين.
قيل له: هذا التحريج قول باطل، وذُكِر له عملُ الأمة في زمن الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، مع نصوص العلماء المصرّحين بجواز تجزِّي التقليد ونحو ذلك مما مرَّ بيانه، وذُكِّر بنصوص الكتاب والسنة وعمل السلف في وجوب العمل بالدليل، وبنصوص إمامه وغيره في ذلك، وبُيِّن له أن الإمام الذي يريد أن يلتزم مذهبَه مطلقًا غير معصوم ولا محيط بالشريعة، ولا يدَّعى له ذلك. وقد تواتر عنه ما يفيد ذلك من الاعتراف بأنه معرَّض للخطأ مع عدم إحاطته بالشريعة، وتواتر عنه الأمر بتقديم ما صحَّ من الأدلة على قوله.
ومثلُه في ذلك سائر الأئمة وجميع أفراد الأمة ما عدا نبيها صلى الله عليه وآله وسلم. وذُكِر له بعض الأدلة العقلية والنقلية على ذلك مما بيَّناه في هذه الرسالة وغيره.
وقيل له: إننا نتلو عليك آية من كتاب الله تعالى، أو نروي لك حديثًا صحيحًا عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ونبيِّن لك دلالته على حكم من الأحكام بحسب ما تقتضيه اللغةُ العربية والإطلاقات الشرعية، ونذكر لك مَن أخذ بذلك من الأئمة الأربعة، وأنه لا معارضَ لذلك من الأدلة الشرعية، فيجيء رجلٌ مقلِّد فيخبرك بحكمٍ فهمه من كلام مقلِّد آخر، وأن ذلك المقلد فهمه من كلام مقلِّد ممن تقدَّمه، وهلُمَّ جرًّا، حتى تتصل الحلقات بالإمام المجتهد. ففهْمُ المقلّد الذي أفتاك يحتمل الخطأ، وتلك العبارة التي فهم منها ذلك يحتمل أن يكون لها معارض من العبارات