للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول: وأين في كتاب الله أن للمطلقة ثلاثًا السكنى والنفقة؟ أو كما ذكر.

وهذا كثير جدًّا عن أكابر الصحابة، ولا يحتاج إلى إثبات دليلٍ، فإنه مما لا خفاءَ فيه أن الإنسان معرَّضٌ للنسيان مهما كانت رتبتُه، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسهو في الصلاة وينسى بعض الآيات حتى يُذكِّره بعضُ أصحابه، كما ثبت في حديث ذي اليدين (١) وغيره، ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم معصوم، إذا نسي ذكَّره الله تعالى بوحيٍ أو إلهامٍ، أو يُقيِّظُ له من يذكِّره من أصحابه، وذلك لئلا يُعتبر فعلُه المبني على النسيان شرعًا.

وأما غيره من الأمة أكابرها وأصاغرها إذا نسي فقد يُذكَّر، كما في نسيان عمر وابن مسعود المارّ ذكره، وقد لا يَذكُر ولا يُذكَّر، وذلك لأنه لا محذورَ في عدم تذكيرهم، إذ ليس قول أحدٍ منهم ولا فعلُه حجةً تُفيد شرعًا لغيره.

وأما قولكم: "فإن قلتم: هم أعلم منا فكيف يسوغ لكم مخالفتهم؟ "، فأخبِرونا أهم أعلمُ أم أكابرُ الصحابة: أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعائشة وغيرهم؟ ولا شك أن أكابر الصحابة أعلم، فكيف ساغ لهؤلاء الأئمة مخالفةُ مَن هو أعلمُ منهم. وجوابكم هو جوابنا.

إن الله سبحانه وتعالى لم يُنزل كتابه خاصًّا بأحد، بل عامًّا في كل مكلَّف، قائلًا سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}، {يَاعِبَادِيَ}. فكلُّ مكلَّفٍ من بني آدم مكلَّفٌ بأن يفهم خطابَ ربّه، وإنه لَعارٌ وشنارٌ وفضيحة الأبد أن يكون كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه مخاطبًا لنا خطابًا يتناول كلَّ واحدٍ منا، موجودًا بين أيدينا، ميسَّرةٌ الطريقُ إلى فهمه والعمل به، ثم نُعرِض عنه


(١) أخرجه البخاري (١٢٢٨) ومسلم (٥٧٣) من حديث أبي هريرة.