وإن قالوا: إن ظاهرها وإن كان لا يثبت به إلّا مطلقُ يدٍ ووجه، فقد يتصور الإنسان ماهيةً أو كيفيةً أو كميةً ونحو ذلك، ويحكم بجوازها، كما أن الإنسان إذا علم أن للملائكة [ص ٦] أجنحة، وتصوَّر أجنحةً كأجنحة الطير، قد يحكم بجواز ذلك بأن تكون أجنحةً عظيمةً من نور على هيئة أجنحة الطير، فجاءت تلك الآيتانِ لنفي هذا التجويز.
ففي هذا نظر، فإن الإنسان عند تصور عظمة ربّ الأرباب جبَّار السموات والأرض يمتنع منه تجويزُ ذلك. ومن لم يمنعه تصوُر عظمة الرب جلَّ ذكره عن تجويز ذلك فأولى أن لا يمنعه تلك الآيتانِ: قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وقوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}؛ لأن دلالتهما ليست في منع التجويز بأقوى من تصوُّرِ عظمة الحق سبحانه وتعالى.
وإن قالوا: إن ظاهرها هو إثبات مطلق اليد والوجه ونحوها مما ورد، وزعموا أن ذلك من أصله محال= فلا ولا كرامة، فإن العليم الخبير أنزل تلك الآيات البينات في كتابه غيرَ جاهلٍ ولا غافل، وقد أنزل القرآن عربيًا مُبِينًا، وكلَّف العرب بما فهمتْه من كتابه ومن كلام نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شكَّ أنهم عند سماع هذه الآيات يفهمون منها ظاهرها غالبًا، أي: ثبوت مطلق يد ووجه ونحوهما مما ورد. ووجوه المجاز التي تكلَّفها المؤوِّلون وإن صلحتْ في بعض المواضع. فهي بعيدة في مواضع كثيرة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ السورة من القرآن فيها شيء من آيات الصفات، فيسمعها العربي فيفهم منها ما يفهم، وليس الحال هاهنا كالحال في آيات الأحكام ونحوها، فإن العمل هناك بالحكم قبل معرفة ناسخه والعامّ قبل معرفة مخصِّصه والمطلق قبل معرفة مقيِّده جائز،