المسجد، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ [قال]: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أهلَ المدينة ومَنْ معهم {لِيَعْلَمُوا} أي: أهل المدينة ومَن معهم {أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ} أي: الحاضرون من أهل المدينة ومَن معهم {بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا}[الكهف: ٢١] جميعًا ــ كما هو ظاهر ــ، وعليه فالعزم على اتخاذ المسجد إنما هو بعد البناء على باب الغار وغيره، وحينئذٍ فيحتمل القُرْب، فيكون معنى «على» الاستعلاء المجازيّ. والبُعْد، ويكون معناها السببيّة. والثاني هو الحق لدلالة السُّنَّة.
الطريق الرابعة: لو سلّمنا دلالة الآية على وقوع البناء على أجسامهم، وأنّ عدم التنبيه يدل على الجواز، فنقول: قد وُجد التنبيه بالسنة، إذ لا يجب أن يكون التنبيه في نصّ القرآن، فإن ما ادّعيتموه من الدلالة ليست من دلالة نظم الكتاب بمنطوقٍ أو مفهوم.
ومع قطع النظر عن هذه فغايتها أن تكون ظنية كالعموم والإطلاق، فيكون من النوع الثاني من المجمل، أي الذي له ظاهرٌ وقد أُريد به خلافه. والسنة كافية للبيان اتفاقًا.
الخامسة: الدلالة بعد تسليمها إنما تكون على جواز تلك الواقعة بعينها، فأما في غيرها فإنما يمكن أخذه بطريق القياس في حق أهل تلك الشريعة إذا وُجدت شروطه في حقّهم؛ بأن يكونوا متعبَّدِين به، ولا يكون هناك نصٌّ في كتابهم أو كلام نبيّهم يعارضه، وأن توجد الأولوية أو المساواة في العلة. وهذا كله مجهول لدينا. وغاية ما نعلمه أن بناء المساجد على القبور كان حرامًا على اليهود والنصارى، كما دلّ عليه لَعْنُ مَن فعل ذلك منهم، واشتدادُ