للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* وباتَ على النار الندى والمُحَلَّق *

وذلك لأنه لا يمكن البناء عليهم لأنهم في الكهف، والكهوف تكون في الغالب صغيرة لا تسع أن يُبنى داخلها مسجد، ويؤيد هذا قوله تعالى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: ١٨]. فإنه إذا كان هذا الرعب ملازمًا لكهفهم كان من الممتنع بعد عودتهم إلى مضجعهم أن يدخل البنّاؤون لبناء مسجدٍ على جُثثهم في داخله.

وما قيل: إنه لعله كان الغار حفرةً عميقة ... (١) فيكون البناء على رأسه على جثثهم بدون دخول. يُبْعِدُه قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: ١٧ - ١٨] (٢).

ومع ذلك فالبناء بقُرْب القبر من المحرَّم في شريعتنا؛ لما مرّ في قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: ١٨]، ولأنّ العلةَ ــ وهي خشية أن يؤدّي تمييز القبر إلى تعظيمه ــ موجودةٌ هنا، مع أن مقصود الشارع سدّ الذريعة، ولا يتحقق ذلك إلا بسدّ الباب رأسًا، والله الموفق.

الثاني: إنّما عزم الغالبون على أمرهم أن يتخذوا عليهم مسجدًا إشهارًا


(١) يحتمل هنا وجود كلمة لعلها «جدًّا» مخرومة في طرف الورقة.
(٢) من قوله: «وما قيل إنه لعله ... » إلى آخر هذه الآية لحق لم يتحرر مكانه، واجتهدتُ في إثباته في المكان المناسب.