للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «نستشفع بالله عليك» وأقرّه على قوله: «نستشفع بك على الله» وتبيَّن بهذين الحديثين وغيرهما بطلان ما دفعتم به حديثَ الأعمى أنه غريبٌ في بابه.

[٢١٩] وكذلك ثبت في «صحيح البخاري» (١) عن أنسٍ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطلب فقال: «اللهم إنا كنّا نتوسّل إليك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسْقِنا، قال: فيُسْقَون». وظاهره التعدّد.

ولا ريب أن الاستسقاء إنما يقع بمحضر جمهور الصحابة رضي الله عنهم وعِلْم الجميع، ولمَّا لم يُنكر صار إجماعًا.

وكذلك معاوية بن أبي سفيان استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي وقال: «اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا» (٢) ولم يُنكرَ عليه ذلك.

وهذه الأحاديث والآثار لم تزل تتناقلها الأئمة، ويَبْعُد أن يتناقلوها ويتفقوا على عدم العمل بها، بل الظاهر أن الأمّة لم تزل آخذة بهذه السنة مِن زمانه صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أصحابه مِن بعده وتابعيهم، وهكذا إلى اليوم. ويشهد لهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية إنه لم يجد عن العلماء نقلًا في باب التوسّل إلا ما رآه في فتاوى ابن عبد السلام (٣)، فالظاهر أن التوسّل كان أمرًا مُتّفَقًا عليه متلقًّى بالقبول، معمولًا به في الخاصة والعامة، ولذلك لم يتكلموا عليه في كتبهم.


(١) (١٠١٠).
(٢) تقدم تخريجه (ص ٢٣٩).
(٣) انظر ما سبق (ص ٢٦١).