صلى الله عليه وآله وسلم:«رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا»(١). فله أن يتوسَّل في طلب الرحمة بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له فيها، ولو أطلق التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، ناويًا التوسّل بذلك الدعاء فلا بأس كما جاء في حديث الأعمى وغيره.
ولا يقال: إن شَفَقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورحمته بأمته تدلّ أنه كان يدعو لهم بكل ما ينفعهم، فنتوصل بذلك إلى جواز التوسّل مطلقًا.
لأننا نقول: عدول الصحابة رضي الله عنهم إلى التوسّل بالعبّاس رضي الله عنه ينافي ذلك. فالمتعيّن قَصْر ذلك على ما ورد بالنص، كصلاة أربع قبل العصر.
وقد يُجاب عن هذا بأن يقال: إن كان المراد بالتوسّل السؤال بحقّ ذلك العمل وفضله عند الله تعالى، والإقسام به عليه، فهو ممنوع كما مَرَّ نقلُه عن «الفتح» في حديث الغار، مع أن حديث الغار وتوسّل الصحابة بالعبّاس لا يَدُلّان عليه أصلًا، وغيرهما مقدوح فيه كما مَرَّ.
وإن أُريد بالتوسّل مجرّد ذكر العمل استنجازًا للوعد، مع المحافظة على الأدب والحذر من الاعتماد على العمل، فهذا هو الذي سبق تقريره في حديث الغار، وهو حقّ لا شُبهة فيه. والله الموافق.
[٢٢٩] أقول: هذا آخر ما تيسَّر لي كتابته في هذا البحث، ومَن تأمّله حقَّ تأمّله عَلِم أنّ مدار التوسّل على حديث الأعمى، فمن أراد معرفة الحق فعليه
(١) أخرجه أبو داود (١٢٧١)، والترمذي (٤٣٠)، وأحمد (٥٩٨٠)، والطيالسي (٢٠٤٨)، وابن حبان (٢٤٥٣)، والبيهقي (٢/ ٤٧٣). قال الترمذي: حسن غريب.