ولكن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الحديث:«إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عُمر» يدلُّ على الكراهة. وإنما أقره صلى الله عليه وآله وسلم بيانًا للجواز. وفيه مع ذلك نحوٌ مما تقدم.
وما أقبحَ الجهلَ والعنادَ! فِعْلٌ من الأفعال الجِبلّية معلوم بالضرورة أنه من اللهو واللعب وإنما وقع التقرير عليه مرة أو مرتين لبيان الجواز، فيجيء هؤلاء القوم يجعلونه من العبادة التي شرع الله تعالى لخلقه أن يستعملوها عند ذكره. وما أسوأَ هذا الفعلَ حيث يُقرَن بين ذكر لله تعالى وبين هذه الأفعال التي هي من اللهو واللعب! فما أجرأ من يفعل ذلك على الله تعالى، وأجْهَلَه بالأدب معه سبحانه وتعالى! بل ما أوهنَ إيمانَه؛ فإن كمال الإيمان الإحسان، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والخلاصة: أننا نقول لهؤلاء القوم: النزاعُ بيننا وبينكم في التطريب والتدفيف والرقص عند ذكر الله تعالى، والتزامُ ذلك دائمًا وعدُّه من وظائف العبادة وشرائط الذكر؛ هل كان الأمر عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو عهد أصحابه، أو عهد التابعين، وتابيعهم من المجتهدين وغيرهم، أو لا؟ وعلى التنزُّل فهل ورَدَ في دليلٍ صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فَعَل التطريبَ، أو التدفيفَ، أو الرقص في وقت ذكر الله تعالى، أو أذِنَ فيه، أو أقرّ عليه؟ كلّا، لم يكن شيء من ذلك. وهذا كافٍ في الدلالة على أن ما يفعله هؤلاء القوم مُحْدَث، وكلّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وإلى الله المتشكى وعليه المتكل وهو غني عن العالمين.