[١٨٧] قلت: تمثيل الصُّوَر في النوم قد يكون من حديث النفس، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون من الملك. وحديث النفس لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يحضره الشيطان فيلتحق بقِسْمِه، وإما أن يحضره المَلك فيلتحق بقِسْمِه، فانحصر الحال في الاثنين.
والدليل على أنه قد يكون من الشيطان قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«ولا يتمثَّل بي الشيطان». وكما أنه لا يتمثل به فإنه لا يحضر تحديث النفس بصورته، فما بقي إلا ما يكون بتمثيل الملك أو حضوره، وكلّه حقّ.
ومما يدلُّ على تمثيل المَلَك: حديث «الصحيحين»(١) عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُريتك في المنام ثلاث ليالي، يجيء بك الملك في سَرَقةٍ من حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفتُ عن وجهك الثوبَ، فإذا أنتِ هي، فقلت: إن يكن هذا من عند الله يُمْضِه».
وفي الكلام تقدير والتفات، والتقدير ــ والله أعلم ــ: أُريتُ صورتَك في المنام ثلاث ليالي، يجيء بها المَلكُ في سَرَقةٍ من حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفتُ عن وجهِ تلك الصورةِ الثوبَ، فإذا هي صورتك، أي التي أعرفها في اليقظة. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعرفها في بيت أبيها وهي صبيّة، ولهذا قال:«إن يكن هذا من عند الله يُمْضِه». والله أعلم.
وعلى هذا [١٨٨] فإن رؤياه صلى الله عليه وآله وسلم لا تكون بتصوير الشيطان ولا حضوره، وإذا لم تكن كذلك فهي بتمثيل الملك بإذن الله تعالى