للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يكره الفرح بالتفاؤل بنحو: يا مبارك، بتجويز أن يكون تبشيرًا من الله تعالى، فإنه مما يقوّي التوكّل على الله تعالى، بخلاف التفاؤل على غير هذا الوجه، بل باعتقاد التأثير لغير الله تعالى، فإنه شركٌ والعياذ بالله. وبخلاف التطيّر مطلقًا بنحو سماع: مَنْ يشتري النحاس؟ فإنه إن لم يكن مجرّد اتفاق فهو من الشيطان ولا شكّ، فالعمل به إنما يكون عن اعتقاد التأثير لغير الله تعالى، والعياذ بالله، ولذلك أطلقَ الشرعُ ذمّ الطِّيرة، وورد أنها من الشرك، وإنما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ذلك شيءٌ يجدونه في أنفسهم» [٢٠٢] يدلّ أنّ مجرّد وجوده في النفس لا يضر.

وهذا إذا كان مع اعتقاد أنه لا مؤثِّر إلا الله تعالى، فإن وجوده في النفس حينئذٍ يكون من وسوسة الشيطان المعفوّ عنها، كما في «الصحيحين» (١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورُها ما لم تعمل به أو تتكلّم».

فأما إذا اعتقد الإنسان التأثير لغير الله تعالى فقد أشرك، وكذا إذا صدّه التطيّر عن عزمه، فإن هذا دليل اعتقاده ذلك، والعياذ بالله.

والتفاؤل الذي لا بأس به هو ما اتفق من غير قصد، فأما ما يقصده الإنسان، كاستنطاق إنسانٍ آخر بقصد التفاؤل وغير ذلك= فهو حرام قطعًا، كإهاجة الطير وغيرها؛ لأنها تدلّ على اعتقاد التأثير، بخلاف مَن سمع شيئًا اتفاقًا ولم يصدّه عن التوكل، والله أعلم.

ثم لا يخفى أن العَرافة مطلقًا لا تحصّل العلم بل ولا الظنّ الغالب، فليست من علم الغيب في شيءٍ. والله أعلم.


(١) البخاري (٢٥٢٨)، ومسلم (١٢٧).