ثم إن الفرقان والمخرج إنما يطَّرِد في حقّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لِعِصْمتهم من الإخلال بالتقوى مطلقًا، فأما غيرهم فلا يطّرد لعدم العصمة، إلا أن الظاهر أنه إذا استوى العالِمَان في العلم وامتاز أحدهما بزيادة التقوى كان قوله أرجح، وهذا إنما يتأتّى اعتباره في العامّي إذا استفتى العَالِمَين، ولم يظهر له رُجحان دليل أحدهما، فأما مَن عداه فإنه تَبَعٌ للدليل كما ورد:«الحكمةُ ضالةُ المؤمن ... »(١) إلخ، وكما عُرف من حال الصحابة رضي الله عنهم ومَن بعدهم في مخالفة كل منهم للأفضل والأتقى إذا ظهر له رجحانُ دليل غيره.
وبهذا عُرِفت الميزة التي امتاز بها المتّقي عن غيره ودَلَّت عليها الآيتان، فالمتّقي إن كان نبيًّا فهو مصيب أبدًا، وإن كان غير نبيّ فهو مأجور غالبًا.
وأما غير المتّقي فإنه لا يستحقّ التثبيت، بل يغلب عليه الكسل عن أداء ما يلزمه من الاجتهاد أو سؤال المجتهد، فيقصّر في ذلك ويعمل برأيه، وقد يتّبع هواه ويتعصّب، ومع هذا فالحال غير مطّرِد وإنما يتأتّى الاعتبار بنحو ما سبق في التّقي والأتقى، والله أعلم.
وأما قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٢] فلا يتأتّى الاستدلال بها إلّا على تقدير معيَّة الواو، وهو غير متعيّن، ولو سُلِّم
(١) أخرجه الترمذي (٣٦٨٧)، وابن ماجه (٤١٦٩) وغيرهما من طريق إبراهيم بن الفضل عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المدني المخزومي يُضعّف في الحديث من قبل حفظه». وضعّفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١١٤)، وانظر «المقاصد الحسنة» (ص ١٩١) للسخاوي.