ثم يوحي بعضهم إلى بعض أن اثبتوا على ما وجدتم عليه آباءكم وأشياخكم، وأعرضوا عن كلام من يريد أن يصدكم عن ذلك والغَوا فيه، ولا تتفكّروا فيه، ولا تتدبروه، ولا تطالعوا رسائلهم فإنها مضلّة. وهكذا تمضي أعمارُهم في مناصبة الحق ومعارضته ومحاربته ومناقضته والإعراض عنه والتحذير منه، [ص ٨٠] كأنهم لا يقرؤون كتاب الله تعالى، فيعلمون أن الدين هو ما جاء من عند الله تعالى بكتابه وسنة رسوله الصحيحة، فيتدبرون القرآن ويراجعون السنة.
وهب أنّ آباءهم وأجدادهم وأشياخَهم كلهم على الحق، أفلا يجب على هؤلاء أن يعرفوا الحق بعينه، ويأخذوه من معدنه، حتى يكونوا على يقين منه لا على مجرد التقليد والظن المتردّد؟ وإننا لا نطلب منكم إلا أن تتبعوا الحق وتعملوا بموجبه مع قطع النظر عما كان عليه الآباء والمشايخ وغيرهم، فإنكم مكلّفون كما هم مكلّفون، والحُجَج قائمة عليكم كما كانت عليهم.
ولو رجعتم إلى أنفسكم لعلمتم أنه إنما يحملكم على معارضة الحق مجرّد الهوى والتعصّب والإلْفَة لأنفسكم ولآبائكم ولأشياخكم. وهذه هي صفة أهل الضلال كما تعلمون، فاتقوا الله في أنفسكم، وجرّدوها عن الأهواء، واعمدوا إلى الحق تجدوه واضحًا لا غبار عليه.
إن الفتى من يقول: هانا ذا ... ليس الفتى مَن يقول: كان أبي (١)
(١) يُنسب إلى علي بن أبي طالب، وهو في «الجليس الصالح»: (١/ ١٠٩)، و «غُرر الخصائص» (ص ٧٤) بلا نسبة.