للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسير، والمشقة فيه خفيفة جدًّا، ولاسيّما مع التسهيل بالسفر والخوف والمرض والعذر بالنوم والنسيان [٩٣] لا جَرَم كان ترك بعضها من أحرى الأشياء أن يُعدّ نقضًا للشهادة.

وقد توسّع الخوارج في هذا الباب فتمسّكوا بظاهر ما مرّ مع عدة أحاديث تنص على بعض الأعمال أنها كفر، كالزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب والغلول وقتال المسلم وغيره، وخالفهم غيرهم. وليس هذا موضع البحث وإنما الذي يهمّنا أن دعاء الغائب والميت والاستغاثة به وبالحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى واعتقادَ مقتضى ذلك هي أظهر في نقض الشهادة من ترك إحدى الصلوات؛ لأن فيها عبادة غير الله تعالى واعتقاد استحقاقه لذلك، وهذا هو معنى اتخاذه إلاها، فيكون ذلك مناقضًا لشهادة أن لا إله إلا الله.

وعلى كل حال فلا يحسن بالمنصف أن يلوم مَن قال بتكفير الداعي والمستغيث والمعتقد على الوجه المذكور، وإن لزم على قولهم تكفير أكثر الأمة، كما أنه لا يجترئ مسلم على القدح في الإمام أحمد بن حنبل في قوله: إن مَن تَرَك صلاةً من الفرائض فقد ارتدّ، وإن كان يعترف بوجوبها مع أنه يلزم على هذا القول أن أكثر الأمة مرتدون؛ لأنه ما من مدينة من المدن التي يسكنها المسلمون إلا وتاركوا الصلاة منهم أكثر من المصلين، وإذا عطفت النظر إلى المصلين وجدت كثيرًا منهم لا يصححون صلاتهم مع إمكان التعلم، فهم مع ذلك غير معذورين، فيلتحقون بالتاركين بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم للمسيء صلاته: «صلّ فإنك لم تصلِّ» (١).


(١) أخرجه البخاري (٧٥٧)، ومسلم (٣٩٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.