وبناء المسجد إعدادًا للصلاة إنما يكون بحيث يكثر وجود المصلين، وليس محل الكهف كذلك؛ لأن الفتية اختاروه مخبأً لهم، ولا يختبئون إلا بمكان بعيد عن الناس.
واحتمال أن يكون عَمَر ذلك المكان بعد نومهم يأباه قولهم لما بُعِثوا:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} الآية [الكهف: ١٩]، مع ما روي أنه ذهب إلى المدينة، القصة التي يذكرها المفسرون. ويأباه أيضًا قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}[الكهف: ٢١].
والإعثار إنما يستعمل في الشيء الخفي الذي لم يكن مترقبًا، والكهف ــ وإن كان ممنوعًا بالرعب ــ إذا كان بين العمارة يكون مترقبًا بسبب منعه بالرعب، هذا بخلاف رأس الجبل، فإنه لا مانع أن تكون عليه قرية مسكونة، محتاجة إلى مسجد.
وقَصْد التذكار يقتضي أن يكون بحيث يشاهده الناس ويرونه، وباب الكهف كجوفه لا يصلح لذلك، وأما خارجه فإنه وإن أمكن أن يكون مشاهدًا، إلا أن رأس الجبل أظهر في ذلك.
وعليه، فيكون المراد بناء المسجد على رأس الجبل عند القرية التي قدمنا احتمال وجودها، ويُكْتب فيه تاريخ العثور على الفتية وخبرهم، وما يتعلق بذلك.
وحينئذٍ يكون مسجدًا وتذكارًا كما يقتضي الحال.
[ص ١٧] ولكن هذا الترجيح معارضٌ باحتمال أن الغالبين إنما أرادوا بناء المسجد؛ ليكونوا يحضرون لزيارة قبور الفتية، والتبرك بها، والصلاة في