للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أننا لو تنازلنا عن دعوى الإجماع بقيت الأغلبية، وهي كافية في إثبات المطلوب، مع أن موافقة البخاري وشيخه على حمل عنعنة من ثبت لقاؤه على السماع، يدل على ما ذكرنا، وإلا لكانت الحجة عندهما هي مجرَّد اللقاء.

فيلزمهما أن كل من لقي شيخًا ثبت سماعه لكل حديثه، وهذا كما ترى. [ص ١٢٢] وإنما رأيا أن دلالة الرواية بدون ثبوت اللقاء لا تخلو عن ضعف، فاشترطا تقويتها بثبوت اللقاء.

ونحن نسلِّم أن الرواية مع ثبوت اللقاء أقوى منها بدونه غالبًا، ولكن هذا لا يقتضي عدم حجيتها، إذا كانت في نفسها دلالة ظاهرة محصِّلة للظن، على أنه يعلم مما قدمناه أن القرائن قد تتظافر على إثبات اللقاء حتى تكاد تقطع به، وإن لم ينقل صريحًا.

(٢) لنا: شيوع الإرسال في السلف، فإنه دليل على أن اصطلاحهم على خلاف الأصل الذي قدَّمْتُم.

(١) أما الإرسال الجلي فلا نزاع فيه؛ لأن المرسل يتَّكِل على وضوح القرينة الصارفة عن الأصل، وهذا إنما هو كشيوع المجاز، لا يقتضي إلغاء الحقيقة (١).

وأما الإرسال الخفي، فلنا جوابان عنه:

أ- لا نسلِّم شيوعه. والاستقراء يدل على قلته؛ فإن أكثر رواية التابعين وتابعيهم المتصلة معنعنة، ولو كان الإرسال الخفي شائعًا فيهم لأقلوا خشية


(١) بعده في الأصل كلمة "بل" والكلام بدونها مستقيم.