للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: كلمات إبراهيم ــ عليه السلام ــ تجمع أمورًا:

الأول: التورية القريبة.

الثاني: أنه كان في حاله ما يدعو إلى أن يُظَنّ أنه وَرَّى، وهذا شبه قرينة، وذلك كقوله لما سُئل (١) عن امرأته: "هي أختي"، وأراد الأخوَّة في الدين. فإنه كان من عادة الجبار: الذي دخل بلاده أنه إذا سمع بامرأة جميلة لها زوج بدأ بقتل زوجها، ومن البيِّن أنّ الزوج إذا سُئل عن امرأته في مثل تلك الحال يحرص على تخليص نفسه من القتل، فإذا كان ممن لا يستحلّ صريحَ الكذب وَرَّى.

فتلك شِبْه قرينة تصرف عن الظاهر، ونحو هذا يأتي في الكلمتين الأخريين.

الأمر الثالث: أنه إنما بتلك (٢) الكلمات يدفع مفاسد عظيمة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، كُلُّهنّ في ذات الله".

وأقربها إلى حظ النفس قوله: "هي أختي"، ولم يقلها لمجرد حظ نفسه، بل حرص على بقائه حيًّا ليدعو إلى الله عز وجل، ودفع بها ظلم القتل عن أولئك القوم.

ولا أستبعد أن تكون تلك الكلمات وقعت منه ــ عليه السلام ــ قبل النبوة، ويدل على ذلك قول الله عز وجل فيما حكاه عن قومه بعد تكسير


(١) في الأصل: "سأل" وسيأتي على الصواب في أول الصفحة التالية.
(٢) غير محررة في الأصل وهكذا استظهرتها.