للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما فلاسفة اليونان ونحوهم؛ فالذي يستهوي النفوس لتقليدهم هو الوقوف على كثرة صوابهم في الطبيعيات والرياضيات، وما اشتهر من أنهم لم يكونوا متقيدين بهوى ولا دين، وإنما كانت نهمتهم تحقيق الحق.

فعليك أن تعرف أن كثرة إصابتهم في الطبيعيات والرياضيات إنما هو لأنها في متناول الإنسان؛ لأنها مما يهدي إليه الحس والقياس.

فأما الإلهيات فإنما يتناول القياس منها طرفًا إجماليًّا، ويعجز عن التفصيل إثباتًا ونفيًا، فإن غَلَبْته شهوة الاطلاع، فخاض في ذلك، فإنما جَهْدُه (١) أن يقيس الغائب على الشاهد مع أنه ليس من جنسه، ويعمل باستقرائه الناقص، ويجحد ما لم يعرف له نظيرًا، وكلُّ ذلك غلط. وربما أوداه التوغُّل في ذلك، فيرجع فينقض ما يمكن إدراكه من الطرف الإجمالي.

ذكر صاحب "المُعْتبر" (٢) البرهانَ على شمول علم الله عز وجل


(١) غير واضحة في الأصل، ولعلها ما أثبته.
(٢) وهو في علم المنطق، لأبي البركات هبة الله بن مَلْكا البغدادي ت (٥٤٧).
ترجمته في "إخبار العلماء بأخبار الحكماء": (٢/ ٤٦٠) للقفطي، وانظر ثناءه على هذا الكتاب في "وفيات الأعيان": (٦/ ٧٤). واختلف في اسم جده هل هو ملكا، أو ملكان بالنون. انظر "الأعلام": (٨/ ٧٤) للزركلي.