للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتكلمون، ويخوضون فيها، ويضمون إلى أقوالهم السابقة ما يضمون، واتصل طَرَفٌ من ذلك بالمأمون، فتعصَّبَ له كما هو مشهور.

ومن هنا قويت شوكة المعتزلة الذين ضمُّوا ما نُقِل عن المعتزلة الأُوَل كعمرو بن عُبيد، وواصل بن عطاء إلى رأي جهم وما اتصل به.

واحتاج علماء المسلمين إلى معارضتهم، فمنهم من اقتصر على دفعهم بالكتاب والسنة، ومنهم من أخذ بطرفٍ من الكلام، وكان من هؤلاء الحارث المُحَاسبي، وعبد الله بن سعيد بن كُلَّاب، وتوسَّع ابنُ كلَّاب في الكلام مع عدم تبحُّره في الشريعة، وبقي الأمر على ذلك حتى جاء الأشعري، [ص ١٥] وكان أول أمره معتزليًّا، ثم تبرأ عن الانتساب إليهم، وانتسب إلى أهل السنة، ونُقِلَ عنه قولان:

أحدهما: التوسُّع في النظر والتأويل على نحو طريقة المعتزلة، مع مخالفتهم في بعض المسائل خلافًا لفظيًّا أو قريبًا من اللفظي، إلا مسائل معدودة الخلاف فيها معنوي.

وفي هذا الضرب إحداث آراء وتوجيهات (١) يرى السلفيون أنها تخالف مذهب السلف، وفي بعضها تمحُّلات ألجأه إليها ما استولى على ذهنه من أقوال المعتزلة.

والقول الآخر: التزام مذهب السلف، كما تراه في كتاب "الإبانة" (٢).


(١) تحتمل: "وتوجّهات".
(٢) ومن أقواله فيه: "فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرِّفونا قولكم الذي تقولون به وديانتكم التي تدينون بها؟
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل وبسنة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ــ نضَّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته ــ قائلون، ولِما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكِّين، فرحمة الله عليه من إمام مقدَّم وجليل معظم وكبير مفهم". "الإبانة": (ص ٧٠ - ٧١ ت فوقية).
وانظر في تحقيق الأطوار التي مرّ بها، وهل رجع إلى مذهب أهل السنة أم بقيت عليه بقايا من مذهب ابن كُلّاب؟ "موقف ابن تيمية من الأشاعرة": (١/ ٣٦١ - ٤٠٩) للمحمود.