وهؤلاء اشتهروا بالحنابلة، نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل، ونَشِب الخلافُ بينهم لاحتكاكهم بالمعتزلة والأشاعرة.
فعلى طالب الحق أن ينفي نفسه عن التعصب لفرقةٍ من هذه الفرق؛ بناء على أنه مسلك آبائه وأشياخه.
ثم يعلم أن المعتزلة يتمدَّحون عند الجمهور بأنهم أهل العدل والتوحيد، ويشنِّعون على مخالفيهم بخلاف ذلك، ويتقربون إلى الخاصة فوق ذلك بأنهم الذين أَعطَوا النظر العقلي حقَّه، وأن مخالفيهم يخالفون العقل، ثم ينتقون مسائل يتراءى منها أن الصواب معهم.
فاعلم أنه إن ظهر لك في مسألة أو أكثر أن الحق معهم، لم يلزم من ذلك أن يكون الحق معهم في كل شيء.
وأما النظر العقلي فقد عرفت في الكلام على الفلاسفة أن نظرهم في الإلهيات لا يوثق به، وذلك يأتي هنا.
وأما الأشاعرة فإنهم يتمدَّحون بأنهم أهل السنة، وأنهم الجامعون بين العقل والنقل. فاعلم أن مخالفيهم لم يوافقوهم على دعوى أنهم أهل السنة، بل بدَّعوهم وضلَّلوهم، وإنما يمكنك الفصل في ذلك بعد النظر، وبذلك ضعفت دعواهم النقل، وأما دعواهم العقل فحالهم فيه كحال المعتزلة.
[ص ١٦] وأما الحنابلة فلا أظنك تحتاج إلى ما يُزَهِّدك فيهم، ويمنعك من تقليدهم.
وأما المتفلسفة من المسلمين فعيبهم أنهم قلدوا فلاسفة اليونان ــ وقد علمت حالهم ــ ورفعوا درجتهم على درجة الأنبياء، ومع ذلك زعم بعض