حَسَنَ الظنِّ بالشارع فإنه يسلك الطريق التي أرشد إليها ولا يبالي بمخالفتها لهواه وشهوته، ومن كان مؤثرًا لهواه وشهوته فإنه يسلك غيرها.
ولنضرب لذلك مثلًا: وهو ملك عظيم، بعث إلى رعيته رجلًا منهم، قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه وإخلاصه، ومعه ما يبين لهم اتصاله بالملك، فأعلن فيهم أن الملك يدعوهم إلى بستان قد أعدّه لهم، ومد لهم سنة ــ مثلًا ــ، وأن من وصل استحق الإنعام والإكرام، ومن مضت المدة ولم يصل استحق العقوبة والنكال.
فلما فكروا في أنفسهم علموا افتقارهم إلى الوصول إلى الملك، ورجوا الإنعام وخافوا العقوبة، ولم يكونوا يعرفون أين البستان، ولا في أي جهة هو، ولا كيف الطريق إليه، فأخبرهم ذلك السفير عن الملك بوصف الطريق الموصل إلى البستان، وبعد أن أتم الوصف تركهم، فافترقوا فرقتين:
الأولى: رأوا أن في السفر كلفة ومشقة، فآثروا البقاء على ما هم عليه، وأخذوا يتشككون في وجود الملك [ص ٢٢] أو في صدق السفير، وبقوا على ما هم عليه حتى مضت المدة.
والثانية: علمت افتقارها إلى الوصول إلى الملك، ورَجَتِ الثوابَ، وخافت العقاب، وافترقت طوائف:
طائفة قالت: المدة طويلة، فلنبق على راحتنا وملاذِّنا إلى أن تنتصف المدة، ثم نسافر، ثم بقيت تسوِّف حتى انتهت المدة.
وطائفة عزمت على السفر، ولكنها لما أرادت السير على تلك الطريق التي وصفها السفير رأت أنها طريق عادية، ودعاها داعٍ إلى طريق أخرى