الرابع: أن أوائلهم أرادوا تخليص قومهم من قيود ديانتهم، وعارضهم القسيسون والرُّهبان، فطال النزاع بينهم، فبالغ المتفلسفون [ص ٣٤] في الطعن في الديانة وتسفيه المتمسكين بها إلى أن صوروهم بأقبح صور الجهل والجمود والحُمْق واعتقاد الخرافات، وطال ذلك ورَسَخ في النفوس، فصار المتمسِّك بالدين محتقرًا فيما بينهم، والطاعن في الديانة محمودًا بحرية الفكر، وغير ذلك، فيرى أحدهم أنه إذا عاد فاعترف بوجود الرب عُدَّ مُنْحطًّا رجعيًّا كما يقولون، ويكفي خصمَه أن يسقطَ سُمعته بقوله: نحن في عصر العلم والتجديد، وفلان يرجع بنا إلى خرافات القرون الجاهلية.
الخامس: أن القوم نشأوا على الإباحة والتهافت على الملاذّ الدنيوية، ومن شأن الدين أن يقيِّد صاحبه، أو ينغِّص عليه ملاذَّه بِتوقُّع العقوبة، فنفوسهم تنفر من ثبوت الدين، وتعاديه أشد العداوة.
السادس: أنه كما أن سليم البصر لا يرى في الظُّلمة، بل يحتاج إلى النور، فكذلك البصيرة تحتاج في إدراك ما يتعلق بالغيب إلى نور خاص، وهذا النور الخاص إنما يكون في التعليمات النبوية، وهم أبعد الناس عنها.
السابع: أنهم يَحدِسون أنه إذا كان هناك دين حق فهو الإسلام، ولكنهم ينفرون عن الإسلام لأمور (١):
منها: العداوة المتوارثة فيهم للمسلمين.
ومنها: عداوة دولهم للإسلام، فهي لا تفتأ تنفِّر عنه بالطرق المختلفة.