للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهم في ذلك خَبْطٌ طويل، قد بين أهل العلم بطلانه، والنصارى أنفسهم يقولون: إن قولهم مما يبطله العقل.

الفرقة الثالثة: أتباع أرسطو، يقولون: إن واجب الوجود واحد، وسائر الموجودات ممكنة، ثم يتخَرَّصون بأن موجودًا ممكنًا صدر عن الله تعالى بطريق الإيجاب، فهو لم يزل معه، كما يصدر الشعاع عن الشمس، ولم يزل معها.

ثم سموا هذا: عقلًا أول (١)، وخَرَصوا أنه صدر عن هذا الثاني عقل ثانٍ، إلى عشرة عقول.

ويزعمون أن كلًا من العقول رب لما دونه، وهم أنفسهم يعترفون بأن هذا تخرُّص، وبنوه على أصول واضحة البطلان، كقولهم: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وقولهم: إن الصدور عن واجب الوجود إنما كان بالإيجاب، وقولهم: إن العالم قديم، وغير ذلك مما هو بكلام المُبَرْسَمِين (٢) أشبه منه بكلام العقلاء.

وقد علمت أن الأدلة التي تقدم بيانها أوصلتك إلى العلم بأن للعالم ربًّا حيًّا عليمًا قديرًا حكيمًا، فإن فُرِض أن المدبِّر الذي تشاهد آثار تدبيره مربوب، فربُّه هو الرب، ولا بد أن يكون أكمل منه في الحياة والعلم والقدرة والحكمة.


(١) كذا في الأصل.
(٢) المبرسَم من أصيب بداء الهذيان. والبِرْسام: علة يُهْذَى فيها. فارسي معرّب "بَر": الصدرُ، "سام": الورم أو المرض. انظر "التاج": (١٦/ ٤٨)، و"قصد السبيل": (١/ ٢٧٠).